الإسلام اليوم/ خاص
يبدو أن الاحتجاجات والاضطرابات التي اجتاحت الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في 2011 فاجأت إدارة أوباما، لا سيما وزارة خارجيته, فلم يكن المسئولون الأمريكيون يتوقعون الإطاحة بحليفيهما القويين, ابن علي ومبارك، بهذه السرعة, لكنها سارعت، مع اكتساب الربيع العربي زخما قويا، باللحاق بركب الأحداث، ومن ثم الاستفادة منها, لكنها لم تحقق سوى نجاح محدود، تاركة جدول أعمال الخارجية الأمريكية في موقف ضعيف للغاية، لا يحسد عليه.
ولا غرو فقد حل الربيع العربي بينما تستعد أمريكا للرحيل عن العراق وأفغانستان, وبدا للجميع في الوقت ذاته, باستثناء المحافظين الجدد, أن نتائج وتداعيات غزو العراق كانت وهما وخداعا, فالعراق بعد صدام لم يصبح مواليا للغرب وأصبح أقل استقرارا, بل إنه يبدو في ظل حكم نوري المالكي الاستبدادي دولة شبه ديمقراطية واضحة الولاء لإيران عكس ما توقعته واشنطن, ولا تعتبر الحرب على أفغانستان أفضل حالا كثيرا, فما زالت القوات الأمريكية تنتشر في البلاد, وما زالت طالبان قوية, فضلا عن أن حكومة كرزاي فاسدة وغير فعالة.
وبرغم هذه الانتكاسات التي طالت الولايات المتحدة, فإن صانعي السياسات هناك لا يبدو أنهم يستسلمون ببساطة للتخلي عن الوجود الأمريكي واسع النطاق في قلب العالم الإسلامي إذا لم يحققوا الهيمنة الكاملة, فقد بدأت إدارة أوباما التحرك بمجرد يقينها أن حكم مبارك قد ولى لإنقاذ أكبر قدر من النفوذ الأمريكي في البلاد, حيث طالبت واشنطن حليفها الأقوى بتسليم السلطة سلميا مناشدة الجيش المصري ترتيب هذا الانتقال بإجراء انتخابات وحكومة مدنية, لكن هذا لم يعجب الصقور اليمنيين الذين خافوا من صعود الإسلاميين, وخاصة الإخوان المسلمين, إلى السلطة بعد الإطاحة بمبارك, وقد كان؛ حيث استطاع حزب الحرية والعدالة, الذراع السياسي للإخوان المسلمين, والسلفيون هزيمة الأحزاب العلمانية والليبرالية والحصول على أكثر من 60 % من مجلس الشعب المصري.
ولم تجد إدارة أوباما سوى المجلس العسكري الحاكم للبلاد في هذه الآونة لتعزيز علاقاتها به, حيث أنه يبدو كالنظام القديم, وهذا ما يريده المسئولون الأمريكيون, إلا أنها تلعب بذلك لعبة خطرة إذا ما افترضت أن النظام الاستبدادي ما زال موجودا بالسلطة, فمع ما تمخضت عنه نتيجة الانتخابات يبدو أن تشكيل حكومة مصرية ديمقراطية ذات صلاحيات واسعة لن تكون موالية للولايات المتحدة ومن المؤكد أنها لن تكون متقاربة مع إسرائيل.
وعلى النقيض في ليبيا كان من السهل على الإدارة الأمريكية منذ الوهلة الأولى الوقوف في الجبهة المعادية للقذافي، مستنكرة سريعا قمع النظام الليبي ضد الاحتجاجات المطالبة بنهاية حكمه الذي دام أكثر من أربعة عقود, وساعدها في ذلك علاقاتها الفاترة مع هذا النظام منذ عام 2004, لذا فقد تبنت إدارة اوباما, بعد دنو إطاحة الثوار بالقذافي, الجهود التي تبذلها فرنسا وبريطانيا وأعضاء حلف الناتو لمساعدة الثوار, وبدلا من الإعلان عن التدخل العسكري لأسباب سياسة, نسجت الولايات المتحدة وحلفاؤها الخيال بأن تدخلها من أجل إنقاذ المدنيين الليبيين.
وكانت إدارة أوباما تنظر إلى التدخل العسكري في ليبيا باعتباره نموذجا محتملا لاستراتيجية أخرى, وهي "الإدارة من الخلف", وذلك بتقديم القوة الفاصلة والدعم اللوجيستي، ولكن من خلال الحلفاء الأوربيين، وبذلك يرى المسئولون الأمريكيون أنهم يحافظون على هيمنتهم في العالم العربي، وتحقيق نتائج سياسية دون تكبد تكاليف باهظة.
ومع قرب نهاية عام 2011, تبنت الإدارة الأمريكية موقفا متشددا تجاه بشار الأسد ونظامه, ومن ثم أصبح التدخل العسكري على غرار ليبيا محتملا, وكما حدث مع القذافي سيدعى لاستخدام القوة العسكرية للإطاحة بالأسد الأكثر قمعا للمناهضين له, والتي قتلت قواته حتى الآن أكثر من 5 آلاف.
لا يبدو مستغربا, ما اتخذته الولايات المتحدة من مواقف استباقية ضد هذه الأنظمة الاستبدادية المعادية لواشنطن ولم تفعل المثل مع حلفائها برغم أن الفساد والاستبداد عامل مشترك بينهما, فقد كانت الإدانة الأمريكية لديكتاتور اليمن, على صالح أخف حدة بشكل ملحوظ من تلك التي وجهتها للقذافي والأسد وإيران, وهذا دليل على الكيل بمكيالين. إن حكومة صالح كانت معاونة جيدة لأمريكا لتجفيف منابع القاعدة في اليمن ومحاربتها, مما يؤكد أن الأمريكيين مستعدون للمخاطرة بتلقي تهمة النفاق في سبيل مواصلة دعم الأنظمة التي تقدم مساندة حاسمة للسياسة الأمريكية في المنطقة حتى لو كانت هذه الأنظمة قمعية وفاسدة.
ليس ثمة شك في أن التطورات السريعة التي شهدها عام 2011 لديها ميزة واحدة مشتركة, فهي تنذر بوضع سياسي وعسكري أكثر خطورة على ا لولايات المتحدة من المغرب إلى الحدود الهندية الباكستانية, مما جعل صناع السياسة الأمريكية يعملون بشكل محموم لمنع وقوع سلسلة من الانتكاسات الجديدة.
لقد ظلت مؤسسة السياسة الأمريكية لعقود طويلة تعتمد على مشاركة النظام الاستبدادي العلماني في شمال أفريقيا والشرق الأوسط, إلا أن هذه المؤسسة أخذت تنهار رويدا رويدا مع سقوط طغاة المنطقة واحدا تلو الآخر, مما يوحي بأن عصر الهيمنة الأمريكية على هذا الجزء من العالم آخذ في الأفول ويحتاج إلى تغير في الاستراتيجية السياسية الأمريكية, وقد أشارت جريدة "كريستيان ساينس مونيتور" إلى ستة وسائل يمكن من خلالها أن تستعيد الولايات المتحدة علاقاتها مع الشرق الأوسط وهي:
- أن تنظف الولايات المتحدة أيديها من دعم الديكتاتورية والاستبداد وتتخلى عنه نهائيا.
- إظهار الاحترام للأنظمة الديمقراطية الجديدة في منطقة الشرق الأوسط والتعامل معها دون خوف.
- التزام الولايات المتحدة بتقديم الدعم والتمويل للمدنيين، وليس العسكريين فحسب.
- التخلص من مفهوم "معنا أو ضدنا" الذي تنتهجه الولايات المتحدة مع دول العالم.
- استخدام الانسحاب الأمريكي من العراق كبادرة لتقليص الوجود العسكري للولايات المتحدة في المنطقة.
يبدو أن الاحتجاجات والاضطرابات التي اجتاحت الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في 2011 فاجأت إدارة أوباما، لا سيما وزارة خارجيته, فلم يكن المسئولون الأمريكيون يتوقعون الإطاحة بحليفيهما القويين, ابن علي ومبارك، بهذه السرعة, لكنها سارعت، مع اكتساب الربيع العربي زخما قويا، باللحاق بركب الأحداث، ومن ثم الاستفادة منها, لكنها لم تحقق سوى نجاح محدود، تاركة جدول أعمال الخارجية الأمريكية في موقف ضعيف للغاية، لا يحسد عليه.
ولا غرو فقد حل الربيع العربي بينما تستعد أمريكا للرحيل عن العراق وأفغانستان, وبدا للجميع في الوقت ذاته, باستثناء المحافظين الجدد, أن نتائج وتداعيات غزو العراق كانت وهما وخداعا, فالعراق بعد صدام لم يصبح مواليا للغرب وأصبح أقل استقرارا, بل إنه يبدو في ظل حكم نوري المالكي الاستبدادي دولة شبه ديمقراطية واضحة الولاء لإيران عكس ما توقعته واشنطن, ولا تعتبر الحرب على أفغانستان أفضل حالا كثيرا, فما زالت القوات الأمريكية تنتشر في البلاد, وما زالت طالبان قوية, فضلا عن أن حكومة كرزاي فاسدة وغير فعالة.
وبرغم هذه الانتكاسات التي طالت الولايات المتحدة, فإن صانعي السياسات هناك لا يبدو أنهم يستسلمون ببساطة للتخلي عن الوجود الأمريكي واسع النطاق في قلب العالم الإسلامي إذا لم يحققوا الهيمنة الكاملة, فقد بدأت إدارة أوباما التحرك بمجرد يقينها أن حكم مبارك قد ولى لإنقاذ أكبر قدر من النفوذ الأمريكي في البلاد, حيث طالبت واشنطن حليفها الأقوى بتسليم السلطة سلميا مناشدة الجيش المصري ترتيب هذا الانتقال بإجراء انتخابات وحكومة مدنية, لكن هذا لم يعجب الصقور اليمنيين الذين خافوا من صعود الإسلاميين, وخاصة الإخوان المسلمين, إلى السلطة بعد الإطاحة بمبارك, وقد كان؛ حيث استطاع حزب الحرية والعدالة, الذراع السياسي للإخوان المسلمين, والسلفيون هزيمة الأحزاب العلمانية والليبرالية والحصول على أكثر من 60 % من مجلس الشعب المصري.
ولم تجد إدارة أوباما سوى المجلس العسكري الحاكم للبلاد في هذه الآونة لتعزيز علاقاتها به, حيث أنه يبدو كالنظام القديم, وهذا ما يريده المسئولون الأمريكيون, إلا أنها تلعب بذلك لعبة خطرة إذا ما افترضت أن النظام الاستبدادي ما زال موجودا بالسلطة, فمع ما تمخضت عنه نتيجة الانتخابات يبدو أن تشكيل حكومة مصرية ديمقراطية ذات صلاحيات واسعة لن تكون موالية للولايات المتحدة ومن المؤكد أنها لن تكون متقاربة مع إسرائيل.
وعلى النقيض في ليبيا كان من السهل على الإدارة الأمريكية منذ الوهلة الأولى الوقوف في الجبهة المعادية للقذافي، مستنكرة سريعا قمع النظام الليبي ضد الاحتجاجات المطالبة بنهاية حكمه الذي دام أكثر من أربعة عقود, وساعدها في ذلك علاقاتها الفاترة مع هذا النظام منذ عام 2004, لذا فقد تبنت إدارة اوباما, بعد دنو إطاحة الثوار بالقذافي, الجهود التي تبذلها فرنسا وبريطانيا وأعضاء حلف الناتو لمساعدة الثوار, وبدلا من الإعلان عن التدخل العسكري لأسباب سياسة, نسجت الولايات المتحدة وحلفاؤها الخيال بأن تدخلها من أجل إنقاذ المدنيين الليبيين.
وكانت إدارة أوباما تنظر إلى التدخل العسكري في ليبيا باعتباره نموذجا محتملا لاستراتيجية أخرى, وهي "الإدارة من الخلف", وذلك بتقديم القوة الفاصلة والدعم اللوجيستي، ولكن من خلال الحلفاء الأوربيين، وبذلك يرى المسئولون الأمريكيون أنهم يحافظون على هيمنتهم في العالم العربي، وتحقيق نتائج سياسية دون تكبد تكاليف باهظة.
ومع قرب نهاية عام 2011, تبنت الإدارة الأمريكية موقفا متشددا تجاه بشار الأسد ونظامه, ومن ثم أصبح التدخل العسكري على غرار ليبيا محتملا, وكما حدث مع القذافي سيدعى لاستخدام القوة العسكرية للإطاحة بالأسد الأكثر قمعا للمناهضين له, والتي قتلت قواته حتى الآن أكثر من 5 آلاف.
لا يبدو مستغربا, ما اتخذته الولايات المتحدة من مواقف استباقية ضد هذه الأنظمة الاستبدادية المعادية لواشنطن ولم تفعل المثل مع حلفائها برغم أن الفساد والاستبداد عامل مشترك بينهما, فقد كانت الإدانة الأمريكية لديكتاتور اليمن, على صالح أخف حدة بشكل ملحوظ من تلك التي وجهتها للقذافي والأسد وإيران, وهذا دليل على الكيل بمكيالين. إن حكومة صالح كانت معاونة جيدة لأمريكا لتجفيف منابع القاعدة في اليمن ومحاربتها, مما يؤكد أن الأمريكيين مستعدون للمخاطرة بتلقي تهمة النفاق في سبيل مواصلة دعم الأنظمة التي تقدم مساندة حاسمة للسياسة الأمريكية في المنطقة حتى لو كانت هذه الأنظمة قمعية وفاسدة.
ليس ثمة شك في أن التطورات السريعة التي شهدها عام 2011 لديها ميزة واحدة مشتركة, فهي تنذر بوضع سياسي وعسكري أكثر خطورة على ا لولايات المتحدة من المغرب إلى الحدود الهندية الباكستانية, مما جعل صناع السياسة الأمريكية يعملون بشكل محموم لمنع وقوع سلسلة من الانتكاسات الجديدة.
لقد ظلت مؤسسة السياسة الأمريكية لعقود طويلة تعتمد على مشاركة النظام الاستبدادي العلماني في شمال أفريقيا والشرق الأوسط, إلا أن هذه المؤسسة أخذت تنهار رويدا رويدا مع سقوط طغاة المنطقة واحدا تلو الآخر, مما يوحي بأن عصر الهيمنة الأمريكية على هذا الجزء من العالم آخذ في الأفول ويحتاج إلى تغير في الاستراتيجية السياسية الأمريكية, وقد أشارت جريدة "كريستيان ساينس مونيتور" إلى ستة وسائل يمكن من خلالها أن تستعيد الولايات المتحدة علاقاتها مع الشرق الأوسط وهي:
- أن تنظف الولايات المتحدة أيديها من دعم الديكتاتورية والاستبداد وتتخلى عنه نهائيا.
- إظهار الاحترام للأنظمة الديمقراطية الجديدة في منطقة الشرق الأوسط والتعامل معها دون خوف.
- التزام الولايات المتحدة بتقديم الدعم والتمويل للمدنيين، وليس العسكريين فحسب.
- التخلص من مفهوم "معنا أو ضدنا" الذي تنتهجه الولايات المتحدة مع دول العالم.
- استخدام الانسحاب الأمريكي من العراق كبادرة لتقليص الوجود العسكري للولايات المتحدة في المنطقة.
- دعم الولايات المتحدة للديمقراطية وحقوق الإنسان.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق