الصفحات

قال صلى الله عليه وسلم: «ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل، عزًا يعز الله به الإسلام وأهله، وذلاً يذل الله به الكفر» .

الأحد، 26 أغسطس 2012

نهاية إسرائيل في القرآن الكريم!

نهاية إسرائيل في القرآن الكريم!
المــهندس عـدنان الرفــاعي
كاتـب ومـفـكِّــر إســـلامي

بسم الله الرحمن الرحيم
كثرت في الأونة الأخيرة كتابات تتحدث عن نهايات دولة إسرائيل, وتستند في قولها هذا إلى نبوءات وردت في العهد القديم و القرآن! وبعضها يستند إلى القرآن فقط!
ونورد للقارئ الكريم نموذجا من هذه الكتابات, تاركين له مسألة الحكم عليها! 
 
نهــاية إسـرائيــل في الـقرآن الكـريـم

.. إنّ الحديثَ عن الغيبيات يحمل مجازفةً بحقيقة إدراكنا للمقدمات التي ننطلق منها في الحديث عن تلك الغيبيات ، وبمصداقيّتها .. وفي الوقت نفسه يحمل - هذا الحديث - إدراكاً عميقاً لفهم تلك المقدّمات إذا ما تمَّ تحقّقُ هذه الغيبيّات وفق الصورة التي نتوقّعها ..
.. وإذا ما كانت بين أيدينا مقدّماتٌ ثابتةٌ حول مسألةٍ ما ، فيصبح التنبّؤُ بالغيبيّات المتعلّقة بتلك المقدّمات متعلّقاً بإدراك هذه المقدّمات ، وأكبرَ احتمالاً للتحقّق ، وبالتالي تصبح إمكانيّةُ تحقّق هذه الغيبيّات أبعدَ ما تكون عن التخمين ، وأقربَ ما تكون إلى الواقع ..
.. وفي حديثنا عن نهاية الكيان الإسرائيلي ، لا نرى مقدّماتٍ أوثقَ من القرآنِ الكريم للانطلاقِ نحو تصوُّرِ نهايةِ الصراعِ مع هذا الكيان ..
.. وتقع على فهمنا وإدراكنا لدلالات النصوصِّ القرآنيّة مسؤوليةُ المجازفةِ بإطلاق أيِّ نتيجةٍ غيبيّةٍ ، فما يربط النتيجةَ الغيبيّة التي نصل إليها مع المقدّماتِ المطلقةِ اليقين ( النصوص القرآنيّة ) ، هو إدراكُنا لدلالات هذه النصوص ، ولمعانيها ، وبالتالي فالمجازفةُ واحتمالُ الخطأِ ينحصران في ساحة إدراكنا لما تحمله هذه النصوصُ من دلالات ..
.. في البداية نقول .. إنّ المرحلة التي تمرّ بها الأمّة ومنذ أكثر من نصف قرنٍ هي مرحلةٌ مؤرّخةٌ قرآنيّاً ، حيث صوّرها القرآنُ الكريم في مكانين من سورة الإسراء ..
( فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيراً ) [ الإسراء : 17 / 7 ] ..
( وَقُلْنَا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرءيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفاً ) [ الإسراء :17/ 104 ] ..
.. إنّ العبارة القرآنية ( وَعْدُ الْآخِرَةِ )في هاتين الصورتين القرآنيّتين تتعلّق بالحياة الدنيا قبل قيام الساعة ، وتتعلّق بفترةٍ زمنيّةٍ واحدة .. فقول الله تعالى : ( فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفاً ) ، هو مقدّمةٌ للنتيجةِ التي تُصوِّرها الصورة القرآنيّة : ( فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيراً ) ..
.. وإنّ قول معظم المفسرين بأنّ وعد الآخرة بالنسبة لدخول المسجد الأقصى قد تمَّ سابقاً ( قبل الإسلام حينما قَتَلَ اليهودُ يحيى عليه السلام ) ، وأنّ وعد الآخرة بالنسبة للمجيء لفيفا هو بعد قيام الساعة ، هما قولان يتعارضان مع حقيقة الدلالات التي تحملها هاتان الصورتان القرآنيّتان ، ومع حقيقةِ ما يحملُهُ القرآنُ الكريمُ بشكلٍ عام ..
.. والنصُّ القرآنيُّ الذي سننطلقُ منه في دراستنا للتنبُّؤِ بنهايةِ هذا الكيان ، هو النصّ القرآنيّ التالي ، والوحيد في القرآن الكريم الذي يصوّر نهايةَ هذا الكيان ..
( وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرءيلَ فِي الْكِتَبِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوّاً كَبِيراً (4) فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُوليهمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِللَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْداً مَفْعُولاً (5) ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَكُمْ بِأَمْوَلٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً(6) إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لَأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيراً(7) عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَفِرِينَ حَصِيراً ) [ الإسراء :17/4-8 ] ..
.. هذا هو النصّ الوحيد في القرآن الكريم الذي يصوّر إفسادَ بني إسرائيل الذي نعيش أحداثَه الآن ، بالإضافة للآية (104) من سورة الإسراء كما أسلفنا : ( فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفاً )، ولذلك ستنحصر مقدّمات تنبئنا في هذا النصّ القرآنيّ بالذات ..
.. إنّ محتويات الأحكام والأخبار التي يحملها هذا النصّ ، قد أعلمها الله تعالى لبني إسرائيل في كتابهم ، كما تؤكّد بداية هذا النص : ( وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرءيلَ فِي الْكِتَبِ ).. ولذلك فالخطاب الذي يصوّره اللهُ تعالى لنا في هذا النصّ ، هو خطابٌ وجَّهَهُ تعالى إلى بني إسرائيل في كتابهم ، وأعلمَهم حتى بالنتيجة التي سيؤولون إليها نتيجة إفسادِهِم وتدنيسِهِم للمقدّسات ..
والصورة القرآنيّة : ( وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرءيلَ فِي الْكِتَبِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ )،تُبيّن لنا أنّ إفسادَ بني إسرائيل في هاتين المرتين سينتشر في الأرضِ كافّة ، وبالتالي لن تكونَ هناكَ أمةٌ خارجَ تبعاتِ هذا الفساد ..
.. وإذا ما نظرنا الآن إلى كلِّ ما يجري على الأرض من فسادٍ ومن انحطاط في القِيَم ومن فتنٍ ومآسٍ وحروبٍ وأزماتٍ اقتصاديّةٍ ، فسنرى أن لهذا الكيان يداً في كلّ ذلك ..
.. وهذا الفساد الذي يُلقون بذورَه في الأرض ويرعونه ، هو وسيلتُهُم الوحيدةُ للعلوِّ في هذه الأرض ، وهذا ما تحمله الصورة القرآنية : ( لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوّاً كَبِيراً )، فهؤلاء لا يعلون إلاّ على أرض الفساد ، وفي مُناخِ الفتن والمآسي وانحطاط القِيَم والأخلاق .. وقد بيّن القرآنُ الكريمُ صفتَهم هذه في أكثر من موقعٍ ، عبر تصويرِ سيرتِهم مع الأنبياء والمرسلين عليهم السلام ، وعبر وصفهم المجرّد عن هذه السيرة ..
.. ويتابع النصُّ القرآنيُّ الحديثَ عن إفسادِهِم الأوَّل الذي قاموا به قبل نزول النصّ القرآني ، وكيف أنّ الله تعالى بعث عليهم عباداً أولي بأسٍ شديد .. ومن المعلوم والثابت تاريخياً أنّ هؤلاء العباد الذين وضعوا حداً لإفساد بني إسرائيل في المرّة الأولى هم بقيادة نبوخذ نصر سنة (586) قبل الميلاد ..
( فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُوليهمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِللَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْداً مَفْعُولاً ) ..
.. إنَّنا نرى في هذه الصُّورةِ القرآنيّةِ المُصوِّرةِ للإفسادِ الأوّل ، أنَّ الفعلَ : ( بَعَثْنَا ) والفعلَ : ( فَجَاسُوا ) يردان بصيغة الماضي ، وأنَّ نهايةَ هذه الآيةِ الكريمةِ هي العبارةُ القرآنيّة : ( وَكَانَ وَعْداً مَفْعُولاً ) .. ونرى في الصُّورةِ القرآنيّةِ المصوِّرةِ للإفسادِ الثاني : ( فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيراً ) .. أنَّ الأفعالَ : ( لِيَسُوا ) ، ( وَلِيَدْخُلُوا ) ، ( وَلِيُتَبِّرُوا ) ، تردُ بِصيغةِ المضارع .. وفي هذا إشارةٌ إلى أنَّ أحداثَ الإفسادِ الأوَّل لبني إسرائيل قد وقعت قبل نزول القرآن الكريم ، وأنَّ أحداثَ الإفسادِ الثاني لبني إسرائيل ستقعُ بعدَ نزول القرآن الكريم ..
..وكعادة اليهود في تزييف الحقائق ، فقد استطاعوا أن يُقنعوا الكثيرين من أنّ نبوخذ نصر وجيشَه كانوا وثنيين من عبدة الأصنام ، مع أنَّ القرآنَ الكريمَ يُبيِّنُ لنا أنّ الذين بعثهم الله تعالى لوضع حدٍ لإفسادِ بني إسرائيل في المرّةِ الأولى هم عبادٌ للهِ تعالى : ( بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَنَا )، فهل يُعقَل أنّ اللهَ تعالى يصف الوثنيين وعبدةَ الأصنام بأنهم عبادٌ له سبحانه وتعالى ؟!!..
.. لماذا لا يكون نبوخذ نصر وجيشُه من أتباع رسالة يونس عليه السلام ، وخصوصاً أنّ يونس عليه السلام أُرسل إلى المنطقة التي خرج منها نبوخذ نصر بجيشه ، بفترة ليست كبيرة نسبياً ؟ .. وخصوصاً أنّ القرآن الكريم يُبيّن لنا أنّ قومَ يونس قد آمنوا ، وأنهم القريةُ الوحيدة التي نفعَهَا إيمانُها في كشف العذاب  فَلَوْلا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ ) [ يونس : 10/98 ]..
.. إنّ الأولى بنا أن نصدّق اللهَ تعالى ونكذّب التاريخ الذي أرّخه اليهود ليخدم إفسادهم ..
.. ويتابع القرآنُ الكريمُ تصويرَ ما قضاه اللهُ تعالى لبني إسرائيل في كتابهم : ( ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَكُمْ بِأَمْوَلٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً ) ..إنّنا نرى أنّ هذه الصورة القرآنية تبدأ بالعبارة ( ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ )، ولم يقل الله تعالى ( فرددنا لكم الكرة عليهم ) .. فكلمةُ ( ثُمَّ ) – كما نعلم – تُفيد التراخي في الزمن إذا ما قُورنت مع حرفِ الفاء الذي يُفيد التعقيب ..

    . وهكذا بعد تدميرهم نتيجة إفسادهم الأوّل ، وبعد زمنٍ طويلٍ أصبحوا من أصحاب الأموال والبنين ، لإمتحانِهم عبر إفسادهم الثاني الذي نعيش أحداثه منذ أكثر من نصف قرن .. ( إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لَأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيراً ).. ولا بدّ هنا من الإشارة إلى أنّ الكثيرَ من التفاسير ذهبت إلى أنّ الإفساد الثاني حصل قبل الآن ، بل قبل نزول القرآن الكريم ، حينما قُتل يحيى عليه السلام على يد اليهود .. وهذا المذهب من التفسير يتعارض تماماً مع حيثيات دلائل هذه الصورة القرآنية بشكلٍ خاصٍّ ، ومع حيثيات دلائل القرآن الكريم بشكلٍ عام ..
.. إنّ ما يُميّز الإفسادَ الثاني ، هو أنّه مُرتبطٌ بوعدِ الآخرة ، كما يُبيّن القرآن الكريمُ : ( فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوا وُجُوهَكُمْ )، وفي هذا الوعد - كما رأينا - سيجيئون لفيفاً : ( فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفاً )، وهذا لم يحدث إلاّ في إفسادهم الحالي كما نرى بأمِّ أعيننا ..
.. وكلمة الآخرة في هذه الصورة القرآنيّة لا يمكن الجزم بأنّها لا تعني إلاّ إفسادهم الثاني ، فلو كانت كذلك لأتت على الشكل : ( فإذا جاء وعد ثانيهما ) ، مقارنة مع الصياغة القرآنية التي تصور إفسادهم الأوّل : ( فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُوليهمَا ) .. هي تعني الإفساد الثاني ، ولكنّها تعني أيضاً اقترابَ الساعـة ، ودليلُنا في ذلك –كما رأينا في النظرية الأولى ( المعجزة ) – أنّ كلمة الآخرة تردُ في كتاب الله تعالى ( 115 ) مرّة ، بورودٍ مناظر تماماً لكلمة الدنيا المناظرة تماماً لكلمة الآخرة .. فكلمة الدنيا ترد أيضاً ( 115 ) مرّة .. وهكذا فالعبارة القرآنية ( فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ )تعني – من جملة ما تعنيه – فإذا اقترب قيامُ الساعة ..
.. ودليلٌ آخر على أنّ إفسادَهم الثاني هو الذي يشهده هذا الجيل ، هو أنّه في إفسادهم الثاني سيتمُّ دخولُ المسجد الأقصى ، دخولاً مماثلاً تماماً لدخول المرّة الأولى : ( وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيراً )، وقد رأينا في النظرية الأولى ( المعجزة ) أنّ هناك تناظراً تامّاً بين ركني هذه المسألة ..
( وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ ) = (14) حرفاً مرسوماً
( كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ ) = (14) حرفاً مرسوماً
.. وفي هذا التناظر التام - كما نرى - دليلُنا على أنّ ما حدث في إفسادهم الأوّل من تدميرٍ لبني إسرائيل سنة ( 586 ) قبل الميلاد على يد جيش نبوخذ نصر ، ومن تدمير لهيكلهم المزعوم ، سيحدث تماماً وبشكلٍ مناظر له تماماً في إفسادهم الثاني ( الحالي ) .. فسيتمّ - إن شاءَ اللهُ تعالى - تدميرُ هيكلهم المزعوم الذي يحاولون الآن بناءه مكان المسجد الأقصى تماماً .. وهذا التدمير للهيكل بهذه الحيثيّة لم يحدث لا زمن قتل يحيى عليه السلام على يد اليهود ، كما تذهب معظم التفاسير ، ولا زمن طردهم من المدينة المنوّرة زمن الرسول r ..
.. والسبي الروماني لبني إسرائيل ، لا يُمكن اعتباره الحدث المتزامن مع إفسادهم الثاني المعني في القرآن الكريم .. ففي إفسادهم الأوّل تمّ تدميرهم على يد جيش نبوخذ نصر ، وفي إفسادهم الثاني ( الحالي ) يقول تعالى : ( وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ )، فالفاعل في كلمة ( وَلِيَدْخُلُوا )يعني القومَ ذاتَهم الذين يُشير إليهم الفاعل في كلمة ( دَخَلُوهُ )، فالقوم الذين دخلوا أوّل مرّة ، هم ذاتهم ( كقوم ) الذين سيدخلون في المرّة الثانية .. والذينَ دخلوا في المرّةِ الأولى – من الشرق كما نعلم – ليسوا روماناً ..
.. ولا يُمكن اعتبار طرد الرسول rلليهود ، الحدثَ المتزامن مع إفسادهم الثاني ، فإفسادُهم الثاني ساحته ( الجغرافيّة ) هي ذاتها ساحةُ إفسادِهم الأوّل ، وهي في بيت المقدس ، وفي إفسادهم الثاني سيتمّ تدمير ما يبنونَه مكان المسجد الأقصى ، تدميراً مماثلاً تماماً للحيثيّة التي تمّت في إفسادهم الأوّل : ( وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ ) ، وكلّ ذلك لم يحدث زمن طرد الرسول r لهم ..
.. وفي إفسادهم الثاني المرتبط بوعد الآخرة : ( فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيراً )، سيجيئون لفيفاً من كلِّ الأرض : ( وَقُلْنَا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرءيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفاً ) ، فالعبارة القرآنيّة ( وَعْدُ الْآخِرَةِ )لم ترد في كتاب الله تعالى إلاّ في هاتين الصورتين القرآنيّتين ..
.. وإذا كان إفسادهم الثاني المعني في قوله تعالى : ( فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيراً ) ،قد حدث سابقاً كما تذهب معظم التفاسير ، فماذا نُسمِّي إفسادَ بني إسرائيل الذي نراه بأمّ أعيننا ، في فلسطين المحتلّة بشكلٍ خاصٍّ ، وفي الأرض بشكلٍ عامٍ ؟!!! ..
.. ولقائل أن يقول : كيف نُسمّي هيكلَهم المزعوم الذي سيبنونه مكان المسجد الأقصى ، والذي سيُدَمَّر كما دُمِّر أوّل مرّة ، كيف نُسمّيه مسجداً : ( وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ )،في الوقت الذي يبنون فيه هيكلَهم مكان المسجد الأقصى ، وبالتالي إزالة بناء المسجد الأقصى ؟!!! .. أي كيف يكونُ المسجدُ مسجداً بعد إزالته وبناءِ هيكلِهم المزعوم مكانه ؟!..
.. نقول : إنّ كلمة المسجد لا تعني البناء ، ولكن تعني الأرضَ المقدّسةَ التي يتمّ عليها إنشاءُ هذا البناء ، فمهما كان البناءُ فوق هذه الأرض المقدّسة التي بارك الله تعالى حولها ، لا يُغير ذلك من تسمية هذه البقعة المقدّسة بالمسـجد الأقصى .. ودليلُنا على ذلك أنّ اللهَ تعالى سمّى هذه البقعة المباركة بالمسجد الأقصى حينما أُسرِي برسول الله r إلى هذه البقعة ، قبل فتح القدس بفترة ليست قليلة نسبيّاً : ( سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ) [ الإسراء :17/1 ] ..
ودليل آخر ...... أنّ البيت الحرام رفع قواعدَه إبراهيمُ وإسماعيلُ عليهما السلام ..
( وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ )[ البقرة : 2 /127 ] ..
.. فإسماعيل عليه السلام الذي شارك أباه في رفع القواعد من البيت كان رجلاً يحمل الحجارة .. وفي الوقت ذاته نرى أنّ إبراهيم عليه السلام سمّى هذا المكان بالبيت الحرام حين وضع ابنه إسماعيل عليه السـلام وهو طفل عنده .. أي أنّه سمّاه بالبيت الحرام قبل رفع قواعد بنائه ..
( رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ )[ إبراهيم : 14 / 37 ] ..
.. والقرآن الكريم يؤكد هذه المسألة في مكان آخر ..
( إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدىً لِلْعَالَمِينَ ) [ آل عمران : 3 / 96 ]
.. فمكانُ البيت الحرام اسمُهُ البيتُ الحرام ليس قبل رفع قواعد بنائه من قبل إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام فحسب ، وإنّما منذ آدم عليه السلام ..
.. إذاً سيقوم الفاتحون - إن شاء الله تعالى - بدخول المسجد الأقصى فاتحين مدمّرين ما يُدنّسه اليهود في هذا المسجد ، دخولاً مناظراً للدخول الأوّل ، ودليلُنا كما قلنا هو التناظرُ التامُّ بين ركني الصورة القرآنيّة المصوّرة لهذا الدخول ..
( وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ ) = (14) حرفاً مرسوماً ..
( كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ ) = (14) حرفاً مرسوماً ..
.. والآية الأخيرة من النصّ الذي ننطلق منه في التنبّؤ بنهاية هذا الكيان ، تؤكّد هذا التدمير ، وأنهم سيُدمَّرون من جديد فيما لو عادوا لإفسادِهِم في هذه الأرض المقدسة بشكلٍ خاصٍّ ، وفي الأرض بشكلٍ عام ..
( عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيراً )[ الإسراء : 17 / 8 ] ..
.. ولو عدنا إلى النصّ القرآني الذي يُصوّر إفسادهم ونهايتهم [ من الأيـة ( 4 ) إلى الآية ( 8 ) في سورة الإسراء ] ، فسنرى أنّه مكوّنٌ من ( 75 ) كلمة .. وقد بيّنا في النظرية الأولى ( المعجزة ) أنّ مجموع كلمات النصّ القرآنيِّ الذي يصف مسألةً ما ، يرتبط ارتباطاً تامّاً بجوهر المسألة التي يصفها هذا النصّ .. فهل يشيرُ مجموع كلمات هذا النص ( العدد 75 ) إلى مجموع سني لبث هؤلاء المفسدين في الأرض المقدسة ؟؟ ..

    وداخل هذا النصّ نرى صورتين قرآنيّتين تُلقي كلٌّ منهما الضوءَ على إفسادٍ من إفسادي بني إسرائيل في الأرض ، ونرى أنهما متناظرتان تماماً ، فكلٌّ منهما مكوّنة من ( 75 ) حرفاً مرسوماً ، وقد رأينا كيف أنّ هذا العدد ( 75 ) هو ذاته العدد الذي يشير إلى مجموع كلمات النصّ الذي انطلقنا منه في تنبئنا ...
( فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُوليهمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِللَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْداً مَفْعُولاً )= 75 حرفاً مرسوماً ..
( فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيراً ) = 75 حرفاً مرسوماً ..
إذاً الصورة القرآنيّة المصورة لإفسادهم الأوّل تتكوّن من ( 75 ) حرفاً مرسوماً ، والصورة القرآنيّة المصوّرة لإفسادهم الثاني ، والأخير من حيث امتداده على كامل الأرض ، والمشير إلى اقتراب الساعة ، تتكوّن أيضاً من ( 75 ) حرفاً مرسوماً ، والنصّ القرآنيّ الذي يصف هذه المسألة بآياته الخمس يتكوّن أيضاً من ( 75 ) كلمة ..
.. لقد بيّنا في النظريّة الأولى ( المعجزة ) عبر الكثير من الأمثلة ، أنّ مجموع حروف النصّ القرآني في الكثير من النصوص القرآنيّة يُشير إلى مجموع سنين ، وأكبر دليلٍ على ذلك أنّ سورة نوحٍ عليه السلام تتكوّن من ( 950 ) حرفاً مرسوماً ، وهذا ما يوافق تماماً المدّة الزمنية التي لبثها نوحٌ عليه السـلام في قومه ، كما يُؤكّد القرآن الكريم .. وبيّنا أيضاً أنّ مجموع كلمات النصّ يشير أحياناً إلى مجموع وحدات زمنيّة ..
.. وإذا اعتبرنا أنّ العدد ( 75 ) يُشير إلى وحدات زمنية ، وإذا اعتبرنا بداية إفسادهم الثاني ، سنة ( 1948 ) ميلادية ، فهل سيتمُّ الفتحُ عام ( 2023 ) ميلادي : [ 1948+75 =2023 ] ؟ ..
إنّنا نرى أنّ هذه النبوءة أقربُ إلى اليقين ولا تحمل من المجازفة إلاّ احتمالين :
1- أن يكون العدد ( 75 ) مشيراً إلى مسألةٍ أخرى غير المسألة الزمنية ..
2- أن تكون بداية إفسادهم الثاني ليست سنة ( 1948 ) ميلادية ..
.. ولكن بدراسة التاريخ وبالاطّلاع على ما يقوله قادة هذا الكيان ذاتِه ، نرى أنّ احتمالَ ارتباط العدد ( 75 ) بالجانب الزمني هو الأرجح ، إن لم يكن هو الاحتمال الوحيد ..
.. لقد ورد في مقالة للأستاذ بسام جرار ، في مجلة إلى الأمام العدد ( 2187 ) تاريخ 27/5/ 1993ميلادي ، النصّ التالي : [ جاء في كتاب الأصولية اليهودية في إسرائيل تأليف ايان لوستك ترجمة حسني زينة ، إصدار مؤسسة الدراسات الفلسطينية ، ط1 ، 1991م ، بيروت ص 95 : وهذا بالضبط هو نوع السلام الذي تنبأ مناحيم بيغن به عندما أعلن في ذروة النجاح الإسرائيلي الظاهري في الحرب على لبنان ، أنّ إسرائيل ستنعم بما نصّت التوراة عليه من سنوات السلام الأربعين ] ..
ولو أضفنا أربعين سنة إلى عام ( 1982 ) الذي تم فيه اجتياحُ لبنان اعتداءً عليه ، لوصلنا إلى عام ( 2022 ) ميلادي ، وهذا يسبق عام ( 2023 ) بعامٍ واحد ، فهل ما أراد بيغن قوله أنّه بعد هذا العام سيتمُّ وضعُ حدٍّ لإفساد بني إسرائيل ، وبالتالي سيستمرُّ وجودُهم وإفسادُهم في الأرض المقدسة ( 75 ) سنة كما بيّنا ؟؟؟ ..
.. إنّ الشيءَ الوحيدَ الذي نستطيع أن نجزمَ به هو قولنا ، الله أعلم ، وأنّ نهاية هذا الكيان لن تكون إلاّ بالقوة والنهوض الحضاري ، وبدفع مستحقّات النصر من الدماء ، وهذه النبوءة - إن كان العدد ( 75 ) يشير إلى وحدات زمنية ، وإن كانت بدايةُ الإفساد سنة 1948 م - يجب أن تكونَ دافعاً لنيل شرف الشهادة في سبيل تحرير المقدّسات ، وأن تكونَ باعثاً للأمل في حتميّة نهاية قوى الشرِّ والفساد ، وأن تكونَ نوراً يُضيء أمامَنا حقيقة هذا العدوِّ الذي لا ينصاع لأيِّ عهدٍ أو ميثاق ، ولا يلتزم حتى بما عاهد هو عليه ..
( أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْداً نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يُؤْمِنُونَ ) [ البقرة :2/100 ]
.. وهذه النبوءة لا يمكن أن تكون عامل اتّكالٍ وتقاعسٍ عن الجهاد ( كما يتوهّم بعضهم ) ، بمقدار ما تكون حافزاً للشهادة وباعثاً للأمل .. فمن يُؤمن بالقرآن الكريم وبأسراره الإعجازيّة ، يعشق الشهادة في سبيل تحرير المقدّسات التي اختارها الله تعالى معياراً لإسلام أفراد هذه الأمة ..
( وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْه ) [ البقرة: 2/143 ]
.. فبالنظر إلى هذا النصِّ من المنظار المجرّد عن التاريخ والزمان والمكان ، وعلى أنّه - كأيِّ نصٍّ قرآنيٍّ - صالحٌ لكلِّ زمانٍ ومكان ، وله حيثياتُ اتّباعٍ وتدبّرٍ في كلِّ زمانٍ ومكان ، يتبيّن لنا أنّ القبلةَ الأولى ( المسجد الأقصى ) هي امتحانٌ للمسلمين ، ليشهدَ اللهُ تعالى من يتّبع الرسولَ وذلك بالدفاع عنه ، ممن ينقلب على عَقِبَيه وذلك بالتقاعس عن الجهاد في سبيل تحريره ..
.. فالمسجد الأقصى كان معياراً لإسلام أفراد الجيل الأول حينما حُوِّلت القبلةُ منه إلى المسجد الحرام ، وهو الآن معيارٌ لإسلام أفراد هذا الجيل ، وذلك بالجهاد لتحريرِه وتطهيرِه وكاملِ الأرضِ المقدّسةِ من دنس اليهود ..

المــهندس عـدنان الرفــاعي
كاتـب ومـفـكِّــر إســـلامي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق