الصفحات

الأربعاء، 16 سبتمبر 2015

من هم الأنبياء الكذبة الذين ذكرهم السيد المسيح؟

        من هم الأنبياء الكذبة الذين ذكرهم السيد المسيح؟
مصطفى الهادي


انفرد متى في إنجيله بقولٍ نسبه إلى السيد المسيح عليه السلام من أنه قال : (احترزوا من الأنبياء الكذبة الذين يأتونكم بثياب الحملان، ولكنهم من داخل ذئاب خاطفة!).(1) وتكرر هذا القول في مكانين ولكن بصيغ مختلفة.(2)

وقد استغل هذا القول الكثير من الاباء المسيحيين في محاوراتهم عبر الفضائيات او على الانترنت لكي يوجهوا اصابع الاتهام إلى نبي الاسلام(محمد)، حيث يقولون بأن هذه نبوءة من السيد المسيح اشار فيها إلى ان انبياء سوف يظهرون بعده وكلهم كذبة ، فتلاقف جمعٌ من المستمعين المسيحيين، وبدأوا بالتهريج على المسلمين . ولكن هؤلاء نسوا بأن السيد المسيح اشار إلى أن هؤلاء الأنبياء الكذبة سوف يخرجون باسمه او ينتحلون اسمه، فبعد اصرار من قبل التلاميذ في كيفية معرفة هؤلاء الانبياء الكذبة ، ارشدهم المسيح إلى علامتهم وفي نفس رواية إنجيل متى فقال : (( فإن كثيرين سيأتون باسمي قائلين: أنا هو المسيح! ويضلون كثيرين)).(3)
إذن يتبين من قول السيد المسيح بأن هؤلاء الكذابون سيأتون من داخل المسيحية نفسها وليس من خارجها وقد تحققت نبوءة المسيح فظهر بعده اكثر من سبعين نبيا كان أولهم وعلى رأسهم (بولص شاول الطرسوسي) .(4) الذي حاول القضاء على المسيحية بضربها من الداخل فزعم أن المسيح ارسله ، وهذه اولى النبوءات التي قال فيها المسيح (سيأتون باسمي). فكان بولص اول نبي كذاب .

ثم عمد بولص إلى اختلاق إنجيل وزعم أن هذا الإنجيل هو (بيسوع المسيح) ومنه وأنه هو الذي أمره ان يقوم بالتبليغ مكانه وهذا ما نراه في قوله : ((في اليوم الذي فيه يدين الله سرائر الناس حسب إنجيلي بيسوع المسيح)). (5)

فكانت اول كذبة من بولص أنه صرخ في المجامع أن المسيح ابن الله كما نرى ذلك في سفر أعمال الرسل 9: 20 (وللوقت جعل يكرز في المجامع بالمسيح أن هذا هو ابن الله).
وبعد أن أشاع بولس بأن المسيح هو ابن الله ، بدأ المراحلة الثانية التي زعم فيها أن المسيح هو الله كما نرى ذلك واضحا في رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية 9: 5 ((أقول الصدق في المسيح، لا أكذب، وضميري شاهد لي بالروح القدس: المسيح حسب الجسد، الكائن على الكل إلها مباركا إلى الأبد. آمين)).

وفي المرحلة الأخيرة من نبوته المزعومة اعلن بولص بأن المسيح هو الرب الأبدي ملك الملوك ورب الارباب الذي لا يموت الساكن في النور الابدي الذي لم يره الناس.(6)
المشكلة الكبيرة أن المفسرين في المسيحية يعرفون بأن بولص كان يتقول على السيد المسيح ، ويحكي عنه احاديث واقوال لا توجد في الاناجيل الأربعة وعلى سبيل المثال فقد اجمع المفسرون بأن بولص أورد قولا نسبه إلى المسيح ولكنه غير موجود في الأناجيل الأربعة ، ولما كان بولص لم يُشاهد المسيح ولم يسمع منه مباشرة بل جاء بعده بسنوات فإن اكثر المفسرون احتاروا في تبرير قول بولص ذلك وآثروا السلامة فقرروا الصمت وعدم الخوض فيه. حفاظا على سمعة بولص ، ونسى هؤلاء بأن بولص يعترف على نفسه بأنه يكذب كما نرى ذلك واضحا في رسالته إلى أهل رومية 3: 7 ((فإنه إن كان صدق الله قد ازداد بكذبي لمجده، فلماذا أدان أنا بعد كخاطئ؟). إذن بولص هنا يعترف بأن هناك من يراه كاذبا ولكنه يُبرر كذبه بأنه من اجل مجد الله. وهذا يُذكرني بقول لأبي هريرة أورده مسلم في صحيحه عن أبي رزين قال ((خرج إلينا أبو هريرة فضرب بيده على جبهته ، فقال : ألا إنكم تحدثون أني أكذب على رسول الله (ص) لتهتدوا وأضل…)).(7)

يقول مؤلف سفر أعمال الرسل نقلا عن بولص أنه قال كما في 20: 35 ((في كل شيء أريتكم ... متذكرين كلمات الرب يسوع أنه قال: مغبوط هو العطاء أكثر من الأخذ)).
اشهر المفسرون في المسيحية قالوا بأن السيد المسيح لم يقل هذا القول ولم يرد في أي انجيل حتى الاناجيل الغير معترف بها لم يرد هذا القول الذي نسبه بولص إلى السيد المسيح ولم يدلنا إلى المصدر الذي استقى منه هذا القول.

ومن هؤلاء : (يوحنا الذهبي الفم ، وديديموس الأعمى ، وسفريانوس أسقف جبلة وهم اشهر من فسر في المدرسة اليونانية الاسكندرانية والانطاكية. وكذلك ثيودور القورشي، واروريجنس وكذلك بيلاجيوس وغيرهم الكثير ممن اجمع على القول : (القديس بولس نسبَ عبارة من أقوال السيد المسيح لم ترد في الأناجيل الأربعة).
يضاف إلى ذلك أن بطرس في رسالته الثانية اكد بأن هؤلاء الانبياء الكذبة الذين بشّر بهم السيد المسيح سيخرجون من نفس شعب السيد المسيح وفيهم وهذا ما قاله في رسالة بطرس الرسول الثانية 2: 1 ((ولكن، كان أيضا في الشعب أنبياء كذبة، كما سيكون فيكم أيضا معلمون كذبة، الذين يدسون بدع هلاك يجلبون على أنفسهم هلاكا سريعا)).
وهذا ما اكده يوحنا أيضا حيث قال : ((أيها الأحباء، أنبياء كذبة كثيرين قد خرجوا)).(8). يضاف إلى كل ذلك اعتراف السيد المسيح نفسه بأن الأنبياء الكذبة هم من دينه كما ورد في إنجيل متى 7: 22 ((كثيرون سيقولون لي في ذلك اليوم: يا رب، يا رب! أليس باسمك تنبأنا)).
وبولص أيضا يعرف جيدا أن هؤلاء الانبياء الكذبة هم من المسيحية وسوف يخرجون باسم المسيح كما يقول في رسالة بولس الرسول الثانية إلى أهل كورنثوس 11: 13((لأن مثل هؤلاء هم رسل كذبة، فعلة ماكرون، مغيرون شكلهم إلى شبه رسل المسيح)).

إذن يتبين ايضا من خلال هذه النصوص بأن هؤلاء الانبياء الكذبة قد خرجوا بعد رحيل السيد المسيح ومن ديانته.
وهكذا عدّ كاتب سفر يوحنا اكثر من سبعين نبيا جاؤوا بعد رحيل السيد المسيح ، هذا اضافة إلى أن السيد المسيح عليه السلام لم يقل بأن (نبيا كذابا) سوف يأتي ، لا بل قال : (انبياء كذبة). فأشار إلى كثرتهم وقوله (سيأتي بعدي) أي بعد رحيلي مباشرة وهذا ما حصل حيث افردوا رسالة كاملة خاصة بهؤلاء الانبياء الذين جاؤوا بعد رحيل السيد المسيح كما نرى ذلك واضحا في (سفر أعمال الرسل).(9)

ففي قاموس الكتاب المقدس: دائرة المعارف الكتابية المسيحية شرح كلمة سفر أعْمال الرُّسُل ، قال : (هو السفر الخامس من أسفار العهد الجديد. ويرجع هذا العنوان إلى القرن الثاني الميلادي). أي بعد رحيل السيد المسيح بمائتين سنة تم تدوين هذا الكتاب، وهي فترة كافية لكي يظهر فيها الكثير من الانبياء الكذبة المتكلمين باسم السيد المسيح، ولكن للمغالطات فإن بعض المفسرين يقولون بأن المقصود بالرسل ، هم تلاميذ السيد المسيح الاثنا عشر الذين امرهم ان يُبلغوا بعده ، وهذا غير منطقي أن تُكتب سيرة هؤلاء واعمالهم بعد مائتي عام من رحيلهم. فأي عاقل يقبل بذلك.

والان ثبت وبالدليل القاطع الذي لا يقبل الشك أن المقصود من قول المسيح (الأنبياء الكذبة)، هم من داخل المسيحية وليس من خارجها لا كما يزعم المتخرصون.

المصادر .
1- كما في رسالة بطرس الرسول الثانية 2: 1 .
 2 إنجيل متى 7: 15.
 3- إنجيل متى 24: 5
 4- وقد اشار بولص إلى نفسه بأنه نبيا مرسلا من الله في رسالته إلى أهل رومية 11: 3 وذلك بقوله : ((يا رب، قتلوا أنبياءك وبقيت أنا وحدي، وهم يطلبون نفسي)).فعد نفسه منهم.
5- رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية 2: 16.

 6- كما نرى ذلك واضحا في رسالته الأولى إلى تيموثاوس 6: 15 حيث يوصي الوصية الأبدية قائلا : (( أن تحفظ الوصية بلا دنس ولا لوم إلى ظهور ربنا يسوع المسيح: ملك الملوك ورب الأرباب، الذي وحده له عدم الموت، ساكنا في نور لا يدنى منه، الذي لم يره أحد من الناس ولا يقدر أن يراه، الذي له الكرامة والقدرة الأبدية. آمين)).
7- صحيح مسلم ج3 ص1660 .
 8- رسالة يوحنا الرسول الأولى 4: 1.

 9- يطلق بعض علماء المسيحية على سفر أعمال الرسل بسفر أعمال الروح القدس. وسبب هذه التسمية حسب زعمهم أن الروح القدس كان يؤيد الرسل بالمواهب والآيات مثل موهبة النبوة . وهذا اعتراف آخر بأن هؤلاء الانبياء جاوؤا بعد رحيل السيد المسيح ومن اجل ابعاد شبهة (الأنبياء الكذبة) عنهم قالوا بأن الروح القدس أعطاهم موهبة النبوة. انظر شرح الكتاب المقدس - القس انطونيوس فكري تفسير سفر أعمال الرسل ،المقدمة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق