الصفحات

الجمعة، 8 يناير 2016

المسيح رسول الحرب والسلام

  المسيح رسول الحرب والسلام
يحاول النصارى تصوير المسلمين على أنهم همجيون برابرة، ويستدلون على نظرتهم تلك بالآيات التي توجب على المسلمين إقامة الجهاد لتكون كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا السفلى .
وهم من خلال هذا الطرح يحاولون إبراز النصرانية على أنها ديانة السماحة والسلام واليسر والإخاء والمحبة ويستشهدون بما جاء في إنجيل لوقا الإصحاح 6 فقرة 29 " من ضربك على خدك فأعرض له الآخر أيضا و من أخذ رداءك فلا تمنعه ثوبك ايضا " وبما جاء أيضا في متى إصحاح 5 فقرة 39
" وأما أنا فاقول لكم لا تقاوموا الشر بل من لطمك على خدك الأيمن فحول له الآخر أيضاً " وبما جاء في متى  إصحاح 5 آية 44 : "وأما أنا فأقول لكم أحبوا أعداءكم باركوا لاعنيكم أحسنوا إلى مبغضيكم وصلوا لأجل الذين يسيئون إليكم و يطردونكم "
وإذا كان هذا جانب اللين في دعوة المسيح عليه السلام فإن ثمة جانب آخر يغفله النصارى وهو جانب الشدة والحرب والقتال، وسوف نعرض لما ورد في العهد الجديد من ذلك، مع تنبيهنا أن العهد القديم الذي يؤمن به النصارى مليء بصور الحروب البشعة التي تستأصل الأخضر واليابس وتقتل الأطفال والنساء والشيوخ والرجال وكل ذي روح حتى الحيوان.
وإليكم النصوص التي تدل على ذلك، حيث روى عنه أصحاب الأناجيل قوله كما في : متى إصحاح 10 آية 34 " لا تظنوا أني جئت لألقي سلاماً على الأرض ما جئت لألقي سلاماً بل سيفاً " وفي فقرة أخرى في لوقا إصحاح إنجيل لوقا - اصحاح 12/49-53 " جئت لألقي ناراً على الأرض فماذا أريد لو اضطرمت، ولي صبغة اصطبغها و كيف انحصر حتى تكمل، أتظنون أني جئت لأعطي سلاما على الأرض كلا أقول لكم بل انقساما، لأنه يكون من الآن خمسة في بيت واحد منقسمين ثلاثة على اثنين واثنان على ثلاثة، ينقسم الأب على الابن والابن على الأب والأم على البنت والبنت على الأم و الحماة على كنتها و الكنة على حماتها " هذه النصوص هي التي تمثل الوجه الآخر لدعوة المسيح عليه السلام سيف ونار وفرقة وانقسام.
وأنا لا أحاول هنا أن أثرب على تلك النصوص وأصفها بما يصف به النصارى نصوص الجهاد فذلك قصور فهم ربما انطوى على نية سيئة خبيثة، ولكني وجه هذا الجانب وحقيقته وغايته، فأقول إن دعوة المسيح عليه السلام فيما نقل عنه لم تكن لمجرد القتل والتدمير، بل لنشر الدين وإسقاط الأنظمة الطاغوتية التي تحول دون نظر الناس إلى حقيقة الدين الإلهي، فهي دعوة حقة لغاية نبيلة وهي نشر الدين وتبليغ رسالة رب العالمين ومن هنا يتفق الدين الذي جاء به عيسى مع ما جاء به نبي الإسلام، فلئن قال المسيح : من ضربك على خدك الأيسر فأدر له خدك الأيمن ، فإن القرآن قد قال : { ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ }، وقال: { فاعفوا واصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم } وقال: {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ... وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ}، وقال: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} وقال: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ } وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( اتق الله حيثما كنت واتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن ) رواه أحمد والترمذي.وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب)) متفق عليه.وعن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: كأني انظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يحكي نبياً من الأنبياء، صلوات الله وسلامه عليهم ضربه قومه فأدموه، وهو يمسح الدم عن وجهه ويقول: ((اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون)) متفق عليه. ففي فتح مكة التي دخلها رسول الله صلى الله عليه وسلم نهاراً بعد أن خرج منها ليلاً، وقف عند الكعبه ليحطم اصنامها بيده، ووقف أهل مكة يرقبون أمامه العقاب الذي سينزله بهم رسول الله جزاء ما قدموه له من إيذاء لا يحتمله إلا أهل العزمات القوية، إلاّ أنه قال لهم: ((ما تظنون أني فاعل بكم؟)) قالوا خيراً، أخ كريم وابن أخ كريم، فقال لهم:(( اذهبوا فأنتم الطلقاء))، فاسترد أهل مكة أنفاسهم وبدأت البيوت تفتح على مصاريعها لتبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم الله أكبر، ما أجمل العفو عند المقدرة، لقد برز حلم النبيّ صلى الله عليه وسلم في هذا الموقف الذي سار عليه الأنبياء من قبله.
ولئن قال المسيح عليه السلام ما جئت لألقي سلاما بل سيفا، فقد قال سيد الخلق صلى الله عليه وسلم : ( بعثت بالسيف حتى يعبد الله لا شريك له ) رواه أحمد.
ولئن قال المسيح عليه السلام : " أتظنون أني جئت أعطي سلاماً على الأرض ، كلا أقول لكم ، بل انقساماً " فقد وصفت الملائكة النبي محمد صلى الله عليه وسلم : بأنه ( فرّق بين الناس ) رواه البخاري . ففرق بين الأب الكافر والابن المؤمن ، والمرأة المؤمن والزوج الكافر وهكذا .
فهذه هي الصورة المتكاملة لدين الله جل وعلا وإبراز جانب من الدين وإغفال آخر هو نوع من كتم العلم المتوعد عليه، ولا يضفي هذا التكامل على الدين أي نوع من النقص بل يجلله بجلال الكمال والواقعية، ومن قصر الدين على جانب السماحة واللين فقط فما عرف الدين حقا، وذلك نتيجة تشرب الناس بالمنحى العلماني في تفسيره للدين بأنه علاقة بين العبد وربه، ولكن الدين الحق هو الذي أنزله الله ليحكم البشرية ويطبق على الأرض، وعليه فالدين مضطر وهذا قدره أن يتعامل مع أصناف من البشر منهم المؤمن به السائر في ركابه فهذا له من اللين والصفح والمحبة بقدره، ومن كان معاندا للدين محاربا له فهذا ليس له إلا السيف، فمن غير المعقول أن يبعث الله أنبياءه ليحكموا الأرض بشرعه ثم يقفون مكتوفي الأيدي أمام مناوئيهم والمتربصين بهم، إن هذه مثالية ستحول بلا شك دون وصول دين الله إلى عباده .
ومعلوم أن عيسى عليه السلام جاء بشريعة موسى ، كما في إنجيل متى إصحاح 5 فقرة 17 : " لا تظنوا اني جئت لانقض الناموس او الانبياء ما جئت لانقض بل لاكمل " وشريعة موسى عليه السلام قائمة على أن الحكم لله سبحانه وأن على الشعب أن يمثل لحكم الله في جميع مناحي حياته، ومعلوم أن اليهود المرسل إليهم عيسى عليه السلام كان خاضعين لحكم الرومان، فأنى لرسول جاء لخلاص شعب وإقامة حكم الله في أرضه أن يدع السيف جانبا وهو يواجه أعتى قوة في الأرض آنئذ، إن الحكمة - وإن لم يستعمله لقصور مكثه معهم - أن يدلهم عليه وهو ما فعله عليه السلام في نصوصه المنقولة عنه آنفا .
وبناء على ما سبق فإننا لا ننكر تلك الفقرات - إن صحت - من الأناجيل التي تبين جانب الشدة في دين عيسى عليه السلام، ولكننا ننكر استعمال تلك النصوص لمحاربة الحق والقيام في وجه الداعين إليه باسم المسيح، وننكر كذلك تبجح النصارى بما يظهرون من جانب الرفق واللين في دينهم مع إحفائهم غيره، وننكر تهجمهم على الإسلام وأهله .
وفي الأخير لا ننسى أن نؤكد أن تلك الأناجيل ليست هي إنجيل عيسى عليه السلام الذي أنزله الله عليه بل هي روايات لسيرة عيسى المسيح عليه السلام فيها الصحيح عنه وفيها المنسوب إليه وهو منه بريء وقد بينا ذلك في مقال إنجيل واحد أم أناجيل والله الموفق .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق